الشيخ : ابن تيمية ، تقييم لمجمل اعماله ( ٣ )

 

 

الاثنين .. الخامس من شوال ١٤٤٤ للهجرة المشرفة

ماجد ساوي

 

y







ثاني مقالة في سلسلة ، الشيخ ابن تيمية ، تقييم لمجمل اعماله " هي عن كتاب العقيدة الحموية ، وسنعرض للكتاب ونقوم بعقد تقييم لكلام الشيخ ابن تيمية فيه .

يقول متن المؤلف :/

بسم الله الرحمن الرحيم

سئل شيخ الإسلام العالم الرباني " تقي الدين أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية " رحمه الله تعالى ، وذلك في سنة ثمان وتسعين وستمائة ، وجرى بسبب هذا الجواب أمور ومحن ، وهو جواب عظيم النفع جدا ، فقال السائل : ما قول السادة العلماء أئمة الدين في " آيات الصفات " كقوله تعالى : { الرحمن على العرش استوى } وقوله : { ثم استوى على العرش } وقوله : { ثم استوى إلى السماء وهي دخان } إلى غير ذلك من آيات الصفات و " أحاديث الصفات " كقوله : صلى الله عليه وسلم { إن قلوب بني آدم بين أصبعين من أصابع الرحمن } وقوله : { يضع الجبار قدمه في النار } إلى غير ذلك وما قالت العلماء فيه وابسطوا القول في ذلك مأجورين إن شاء الله تعالى .

فهذا سؤال وجه الى الشيخ ابن تيمية ، ونرى ان السائل يرى في ابن تيمية اهلية علمية ليساله عما قال العلماء - والسائل طلب راي العلماء ولم يطلب راي ابن تيمية وسنلاحظ ان جواب الشيخ هو من كيسه الشخصي كما سيتبين معنا " ، والسائل يسال هنا عن اقوال اهل العلم في ايات الصفات ، كقوله تعالى : { الرحمن على العرش استوى } وقوله : { ثم استوى على العرش } وقوله : { ثم استوى إلى السماء وهي دخان } إلى غير ذلك من آيات الصفات و " أحاديث الصفات " كقوله : صلى الله عليه وسلم { إن قلوب بني آدم بين أصبعين من أصابع الرحمن } وقوله : { يضع الجبار قدمه في النار }.

فالرجل يسال هنا عن العقيدة الصحيحة في صفات الرب جل وعلا ، ويظهر هذا من السؤال ، فهو يستفهم عن الواجب فيها من ناحية الاعتقاد لا غير ، وهذا يدل على وجود اشكال لدى السائل حولها ، وهو امر غريب فان الصفات معروف انها تثبت كما وردت من غير تاويل ولا تمثيل ولا تشبيه كما هو المقرر في مذهب اهل السنة والجماعة ، وهذا يدل على جهل السائل بالثوابت من مذهب اهل السنة والجماعة .

فأجاب :

الحمد لله رب العالمين . قولنا فيها ما قاله الله ورسوله صلى الله عليه وسلم والسابقون الأولون : من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان ; وما قاله أئمة الهدى بعد هؤلاء الذين أجمع المسلمون على هدايتهم ودرايتهم وهذا هو الواجب على جميع الخلق في هذا الباب وغيره ; فإن الله سبحانه وتعالى بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق ; ليخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد وشهد له بأنه بعثه داعيا إليه بإذنه وسراجا منيرا وأمره أن يقول : { قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني } . فمن المحال في العقل والدين أن يكون السراج المنير الذي أخرج الله به الناس من الظلمات إلى النور وأنزل معه الكتاب بالحق ; ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه وأمر الناس أن يردوا ما تنازعوا فيه من أمر دينهم إلى ما بعث به من الكتاب والحكمة وهو يدعو إلى الله وإلى سبيله بإذنه على بصيرة وقد أخبر الله بأنه أكمل له ولأمته دينهم وأتم عليهم نعمته - محال مع هذا وغيره : أن يكون قد ترك باب الإيمان بالله والعلم به ملتبسا مشتبها ولم يميز بين ما يجب لله من الأسماء الحسنى والصفات العليا وما يجوز عليه وما يمتنع عليه . فإن معرفة هذا أصل الدين وأساس الهداية وأفضل وأوجب ما اكتسبته القلوب وحصلته النفوس وأدركته العقول فكيف يكون ذلك الكتاب وذلك الرسول وأفضل خلق الله بعد النبيين لم يحكموا هذا الباب اعتقادا وقولا ومن المحال أيضا أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قد علم أمته كل شيء حتى الخراءة ، وقال صلى الله عليه وسلم :

وهنا يتبين لنا ان المؤلف - الشيخ ابن تيمية - شرع في مقدمة طويلة عريضة ليثبت فيها ان الاسلام والرسول والرب قد بينوا الامر في الصفات في نصوص - وسرد عددا منها - وان هذا امر عقلي بدهي ، وانما الامر - كما يقول - ان هذه النصوص واضحة كما بين ، وان الاعتقاد في الصفات بين وبسيط وسهل فالنصوص قد بينته - كما اسلف - وهو هنا يدعو السائل الى الاعتقاد بمذهب الظاهر - كما سيتبين معنا - وان العقائد ظاهرة من النصوص ولا حاجة للتفلسف لفهمها ، وان دلالاتها جلية .

والمذهب الظاهر في فهم النصوص المقدسة ، يعتمده الشيخ ابن تيمية كثيرا ، فهو يدعو الى اعمل العقل البديهي في فهم نصوص الكتاب والسنة ، وان المذاهب الباطلة هي التي تتانى في الفهم وتعمل العقل عند التعرض للنصوص المقدسة ، وهذه الدعوى متهافتة جدا ، فان الله قال ان من القران ماهو محكم وماهو متشابه وان المحكم واضح الدلالة قطعي الثبوت ، اما الايات المتشابهة فامها يقع فيها الاختلاف في الفهم ، فلا فهم واضح لها وواحد وثابت عند الجميع ، وينتج من ذلك انه لابد من الية علمية خاصة للتعامل معها .

وهنا ياتي دور التاويل وهو حمل الالفاظ على المعاني الغير ظاهرة بدلالة القرائن الصارفة عن المعنى الحقيقي الى معان اخرى مجازية ، والمجاز يعارضه الشيخ ابن تيمية في منهجه لفهم النصوص المقدسة - الكتاب والسنة - وهو امر ظاهر البطلان .

يقول المؤلف :/

وقال صلى الله عليه وسلم : { تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك } وقال فيما صح عنه أيضا : { ما بعث الله من نبي إلا كان حقا عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم وينهاهم عن شر ما يعلمه لهم } . وقال أبو ذر : لقد توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وما طائر يقلب جناحيه في السماء إلا ذكر لنا منه علما . وقال { عمر بن الخطاب : قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقاما فذكر بدء الخلق ; حتى دخل أهل الجنة منازلهم وأهل النار منازلهم حفظ ذلك من حفظه ونسيه من نسيه } رواه البخاري. ومحال مع تعليمهم كل شيء لهم فيه منفعة في الدين - وإن دقت - أن يترك تعليمهم ما يقولونه بألسنتهم ويعتقدونه في قلوبهم في ربهم ومعبودهم رب العالمين الذي معرفته غاية المعارف وعبادته أشرف المقاصد والوصول إليه غاية المطالب. بل هذا خلاصة الدعوة النبوية وزبدة الرسالة الإلهية فكيف يتوهم من في قلبه أدنى مسكة من إيمان وحكمة أن لا يكون بيان هذا الباب قد وقع من الرسول على غاية التمام ثم إذا كان قد وقع ذلك منه : فمن المحال أن يكون خير أمته وأفضل قرونها قصروا في هذا الباب زائدين فيه أو ناقصين عنه . ثم من المحال أيضا أن تكون القرون الفاضلة - القرن الذي بعث فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم - كانوا غير عالمين وغير قائلين في هذا الباب بالحق المبين لأن ضد ذلك إما عدم العلم والقول وإما اعتقاد نقيض الحق وقول خلاف الصدق وكلاهما ممتنع. أما الأول : فلأن من في قلبه أدنى حياة وطلب للعلم أو نهمة في العبادة يكون البحث عن هذا الباب والسؤال عنه ومعرفة الحق فيه أكبر مقاصده وأعظم مطالبه ; أعني بيان ما ينبغي اعتقاده لا معرفة كيفية الرب وصفاته . وليست النفوس الصحيحة إلى شيء أشوق منها إلى معرفة هذا الأمر . وهذا أمر معلوم بالفطرة الوجدية فكيف يتصور مع قيام هذا المقتضي - الذي هو من أقوى المقتضيات - أن يتخلف عنه مقتضاه في أولئك السادة في مجموع عصورهم هذا لا يكاد يقع في أبلد الخلق وأشدهم إعراضا عن الله وأعظمهم إكبابا على طلب الدنيا والغفلة عن ذكر الله تعالى ; فكيف يقع في أولئك ؟ وأما كونهم كانوا معتقدين فيه غير الحق أو قائليه : فهذا لا يعتقده مسلم ولا عاقل عرف حال القوم . ثم الكلام في هذا الباب عنهم : أكثر من أن يمكن سطره في هذه الفتوى وأضعافها يعرف ذلك من طلبه وتتبعه ولا يجوز أيضا أن يكون الخالفون أعلم من السالفين كما قد يقوله بعض الأغبياء ممن لم يقدر قدر السلف ; بل ولا عرف الله ورسوله والمؤمنين به حقيقة المعرفة المأمور بها : من أن " طريقة السلف أسلم وطريقة الخلف أعلم وأحكم " - وإن كانت هذه العبارة إذا صدرت من بعض العلماء قد يعني بها معنى صحيحا . فإن هؤلاء المبتدعين الذين يفضلون طريقة الخلف من المتفلسفة ومن حذا حذوهم على طريقة السلف : إنما أتوا من حيث ظنوا : أن طريقة السلف هي مجرد الإيمان بألفاظ القرآن والحديث من غير فقه لذلك بمنزلة الأميين الذين قال الله فيهم : { ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني } وأن طريقة الخلف هي استخراج معاني النصوص المصروفة عن حقائقها بأنواع المجازات وغرائب اللغات . فهذا الظن الفاسد أوجب " تلك المقالة " التي مضمونها نبذ الإسلام وراء الظهر وقد كذبوا على طريقة السلف وضلوا في تصويب طريقة الخلف ; فجمعوا بين الجهل بطريقة السلف في الكذب عليهم ، وبين الجهل والضلال بتصويب طريقة الخلف . انتهى

هنا نجد المؤلف ينتصر لمذهبه الظاهري في فهم النصوص المقدسة - الكتاب والسنة - وان الرسول محال ان يترك الامة بلا بيان لما يجب عليهم ان يعتقدوه - ولم يورد نصا واحدا لاسناد نظريته هانه - ثم يزعم ان مذهب السلف اسلم وان مذهب الخلف غير سليم مع انه هو بنفسه يعتبر - زكانيا - من الخلف فنجده هنا قد حكم ببطلان مذهبه ورايه بنفسه .

ماجد ساوي
اولموقع الزاوية
https://alzaweyah.org/

 

 

نظام التعليقات واولمشاركة في موقع الزاوية الادبي

 

اهلا وسهلا
 

 

 



page counter